الخطبة ١٢١: بعد ليلة الهرير
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الخطب » الخطبة ١٢١: بعد ليلة الهرير

 البحث  الرقم: 122  المشاهدات: 4684
قائمة المحتويات ومن كلام له عليه السلام بعد ليلة الهرير
وقد قام إليه رجل من أصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومة ثمّ أمرتنا بها، فما ندري أيّ الأمرين أَرشد؟ فصفق عليه السلام إحدى يديه على الأخرى ثمّ قال:
هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْعُقْدَةَ! (1) أَمَا وَاللهِ لَوْ أَنِّي حِينَ أَمَرْتُكُمْ بِهِ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الْمَكْرُوهِ الَّذِي يَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْراً، فَإِنِ اسْتَقَمْتُمْ هَدَيْتُكُمْ وَإِنِ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُكُمْ وَإِنْ أَبَيْتُمْ تَدَارَكْتُكُمْ، لَكَانَتِ الْوُثْقَى، وَلكِنْ بِمَنْ وَإِلَى مَنْ؟ أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وَأَنْتُمْ دَائي، كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا (2) مَعَهَا! اللَّهُمَّ قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هذَا الدَّاءِ الدَّوِيِّ (3)، وَكَلَّتِ (4) النَّزْعَةُ بِأَشْطَانِ الرَّكِيِّ (5)! أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الْإِسْلاَمِ فَقَبِلُوهُ؟ وَقَرَأُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ؟ وَهِيجُوا إِلى الْجِهَادِ فَوَلِهُوا وَلَهَ اللِّقَاحِ (6) إِلَي أَوْلاَدِهَا، وَسَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا، وَأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الْأَرْضِ زَحْفاً زَحْفاً وَصَفًّا صَفًّا؟! بَعْضٌ هَلَكَ، وَبَعْصٌ نَجَا. لاَيُبَشَّرُونَ بِالْأَحْيَاءِ الموت في سبيل الحق.">(7)، وَلاَ يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَى المَوْتى
»: لا يحزنون إذا قيل لهم: مات فلان، فان الموت عندهم حياة السعادة الأبدية.">(8)، مُرْهُ (9) الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ، خُمْصُ الْبُطُونِ (10) مِنَ الصِّيَامِ، ذُبُلُ (11) الشِّفَاهِ مِنَ الدُّعَاءِ، صُفْرُ الْأَلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ، عَلَى وَجُوهِهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعيِنَ، أُولئِكَ إِخْوَاني الذَّاهِبُونَ، فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ وَنَعَضَّ الْأَيْدِيَ عَلَى فِرَاقِهمْ! إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ (12)، وَيُرِيدُ أَنْ يَحُلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً، وَيُعْطِيَكُمْ بَالْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةَ، وَبِالْفُرْقَةِ الْفَتْنَةَ؛ فَاصْدِفُوا (13) عَنْ نَزَغَاتِهِ (14) وَنَفَثَاتِهِ، وَاقْبَلُوا النَّصِيحَةَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا إِلَيْكُمْ، وَاعْقِلوهَا (15) عَلَى أَنْفُسِكُمْ.

الهوامش

1- يريد «بالعقدة» ماحصل عليه التعاقد.
2- الضَلْع ـ بفتح الضاد وتسكين اللام ـ: المَيْل. وأصل المثل: «لا تنقش الشوكة بالشوكة، فان ضَلْعها معها» يُضْرَبُ للرجل يخاصم آخر ويستعين عليه بمن هو من قرابته أو أهل مَشْرَبه. ونَقش الشوكة: إخراجها من العضو تدخل فيه.
3- الدّاء الدّوِيّ ـ بفتح فكسر ـ: المؤلم الشديد. وقد وُصِف بما هو من لفظه.
4- كلّت: ضعفت. والنزعة: جمع نازع.
5- الأشْطَان: جمع شَطَن، وهو الحبل. والرّكِيّ: جمع رَكِيّة، وهي البئر.
6- اللِّقاح: جمع لَقُوح، وهي الناقة.
7- «لا يُبَشّرُون بالأحياء»: إذا قيل لهم: نجا فلان فبقي حياً لايفرحون، لأن أفضل الحياة عندهم الموت في سبيل الحق.
8- «لا يُعَزّوْن عن المَوْتى»: لا يحزنون إذا قيل لهم: مات فلان، فان الموت عندهم حياة السعادة الأبدية.
9- «مُرْهُ العيون»: جمع أمْرَه، وهو على صيغة أفعَل الذي يجمع على فُعْل، كأحمر وحُمر، مأخوذ من «مَرَهَتْ عَيْنُهُ» إذا فسدت أو ابيضّت حَمَاليقُها.
10- خُمْص البطون: ضَوَامِرُها.
11- ذَبُلَتْ شفَتُهُ: جَفّت وَيبِستْ لذهاب الرّيق.
12- يُسَنّي: يُسَهّل.
13- فاصْدِفُوا: فأعْرِضُوا.
14- نَزَغاته: وساوسه.
15- اعْقِلُوها: احبسوها على أنفسكم لا تتركوها فتضيعَ منكم.



الفهرسة