من مآثر الإمامة
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » من مآثر الإمامة

 البحث  الرقم: 83  التاريخ: 21 شوال المكرم 1429 هـ  المشاهدات: 5402
قال تعالى في محكم كتابه المجيد على لسان الخضر (عليه السلام) وهو يكلم موسى (سلام الله عليه): (إنك لن تستطيع معي صبرا * وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) [الكهف: 67ـ68].
إلى آخر القصة التي فيها تنبيه لمن عقل، وتفكر للتسليم فيما روي من كرامات الأنبياء والأولياء (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين)، وفيما روي كذلك من أفعالهم مما لا يتحمله عامة الخلق وتأباه بعض الأفهام، حتى يبادر بعض ذوي العقول القاصرة إلى الرد والإنكار، وكأن الله سبحانه لا يستطيع أن يجري المعاجز على يد أوليائه، أو كأن أولياءه لا يطيقون مثل تلك المعجزات، التي هي براهين على أنهم حجج الله على خلقه وأمناؤه في بلاده وسفراؤه إلى عباده، أرسلهم مؤيدين بالحكم والدلائل الظاهرات والبراهين الواضحات والآيات الباهرات، (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) [النساء: 165].
وما جرى في الأنبياء جرى في الأوصياء، فهم ورثتهم وحجج الله على الناس بعدهم، وكان في أفعالهم وأحوالهم غرائب شاهدها الخلق جلية لا ريب فيها، فاتضح أنهم الحجة عليهم.
ولقد رأى البعض أنفسهم لا يطيقون كل ما يشاهدونه أو يسمعونه، إلا أنهم لا يحق لهم الإنكار أو الرد أو الإستخفاف، وإنما يلزمهم ذلك أن يدعوه حتى يتهيأوا ويستعدوا للتصديق به، وقد أتى الإمامَ الحسين (عليه السلام) رجلٌ، فقال: حدثني بفضلكم، فقال (عليه السلام) له: إنك لا تطيق حمله، وجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: ما جاءَكم منا مما يجوز ان يكون في المخلوقين ولم تعملوه ولم تفهموه، فلا تجحدوه وردوه إلينا، والأئمة الأطهار (عليهم السلام) خلق الله الكُمّل، وقد شاء (جل وعلا) أن يجعلهم أبوابه ومستودع علمه ومحالّ معرفته ومساكن بركته ومعادن حكمته وحفظة سره وحملة كتابه، فظهرت فيهم إشارات وبشارات دلت على إمامتهم ووثيق صلتهم ببارئهم، فمع شيء من ذلك مما جاء في الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام).
في أمالي الصدوق عن الزهري قال: كنتُ عند علي بن الحسين (عليه السلام)، فجاءه رجل من أصحابه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): ما خبرك أيها الرجل؟ فقال الرجل: خبري يا ابن رسول الله أني أصبحت وعلي أربعمائة دينار دين لا قضاء عندي لها، ولي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به، فبكى علي بن الحسين (عليه السلام) بكاءً شديدا، فقلتُ له: ما يبكيك يا ابن رسول الله؟ فقال: وهل يعد البكاء إلا للمصائب والمحن الكبار؟ قالوا: كذلك يا ابن رسول الله، قال: فأية محنة ومصيبة أعظم على حر مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خلة فلا يمكنه سدها، ويشاهده على فاقة فلا يطيق رفعها؟ فتفرقوا عن مجلسهم ذلك، فقال بعض المخالفين وهو يطعن على علي بن الحسين (عليه السلام): عجبا لهؤلاء يدعون مرة أن السماء والأرض وكل شيء يطيعهم، وأن الله لا يردهم عن شيء من طلباتهم، ثم يعترفون أخرى بالعجز عن إصلاح حال خواص إخوانهم، فجاء الرجل من أصحابه فقال: يا ابن رسول الله، بلغني عن فلان كذا وكذا، وكان ذلك أغلظ علي من محنتي، فقال علي بن الحسين (عليه السلام): فقد أذن الله في فرجك، يا فلانة، إحملي سحوري وفطوري، فحملت قرصين، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) للرجل: خذهما، فليس عندنا غيرهما، فإن الله يكشف عنك بهما، وينيلك خيرا واسعا منهما، فأخذهما الرجل ودخل السوق لا يدري ما يصنع بهما، يتفكر في ثقل دينه وسوء حال عياله، ويوسوس إليه الشيطان: أين موقع هاتين من حاجتك؟ فمر بسماك قد بارت عليه سمكة، فقال له: سمكتك هذه بائرة عليك، وإحدى قرصي هاتين بائرة علي، فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة وتأخذ قرصتي هذه البائرة؟ فقال: نعم، فأعطاه السمكة وأخذ القرصة، ثم مر برجل معه ملح قليل مزهود فيه، فقال: هل لك أن تعطيني ملحك هذا المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها؟ قال: نعم، ففعل، فجاء الرجل بالسمكة والملح، فقال: أصلح هذه بهذا، فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين، فحمد الله عليهما، فينما هو في سروره ذلك إذ قرع بابه، فخرج ينظر من الباب فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح قد جاءا يقول كل واحد منهما له: يا عبد الله، جهدنا أن نأكل نحن أو أحد عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا، قد رردنا إليك هذا الخبز وطيبنا لك ما أخذته منا، فأخذ القرصين منهما، فلما استقر بعد انصرافهما عنه قرع بابه، فإذا برسول من علي بن الحسين (عليه السلام)، فدخل فقال: إنه يقول لك: إن الله قد أتاك بالفرج، فأردد إلينا طعامنا، فإنه لا يأكله غيرنا، وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه، وحسنت بعد ذلك حاله.
فقال بعض المخالفين: ما أشد هذا التفاوت، بينا علي بن الحسين لا يقدر أن يسد منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم؟ فقال علي بن الحسين (عليه السلام): هكذا قالت قريش للنبي (صلى الله عليه وآله): كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكة، ويرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في إثنا عشر يوما؟! وذلك حين هاجر منها، ثم قال علي بن الحسين (عليه السلام): جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه، إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه، وترك الاقتراح عليه، والرضا بما يدبرهم به، إن أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبرا لم يساوهم فيه غيرهم، فجازاهم الله (عزّ وجل) بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم.
وعن عبد الله بن عطاء قال: كنتُ مع علي بن الحسين (عليهما السلام) في المسجد، فمر عمر بن عبد العزيز عليه شراكا فضة، فنظر إليه علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال: يا عبد الله بن عطاء، أترى هذا المترف؟ إنه لن يموت حتى يلي الناس، قلت: هذا الفاسق؟ قال: نعم، فلا يلبث فيهم إلا يسيراً حتى يموت، فإذا هو مات لعنه أهل السماء، واستغفر له أهل الأرض.
وتعليل ذلك ذكره الإمام الباقر (عليه السلام) بقوله: يجلس في مجلس لا حق له فيه، ثم ملك عمر بن عبد العزيز، وتظاهر بالعدل حفاظا على سلطته، وإن كان مغتصبا لحق أهل البيت (عليهم السلام) في الخلافة.
وعن أبي حزة الثمالي قال: كنت عند علي بن الحسين (عليهما السلام) وعصافير على الحائط قبالته يصحن، فقال: يا أبا حمزة، أتدري ما يقلن؟ إن لهن وقتا يسألن فيه قوتهن.
وروي أن الحجاج بن يوسف لما خرب الكعبة عمّرها أهل مكة، فلما أعيد البيت الحرام وأرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود، فكلما نصبه علم من علمائهم أو قاض من قضاتهم أو زاهد من زهادهم يتزلزل ويضطرب ولا يستقر الحجر في مكانه، فجاءه علي بن الحسين (عليهما السلام) وأخذه من أيديهم وسمى الله ثم نصبه فاستقر في مكانه، وكبر الناس، ولقد ألهم الفرزدق في قوله:
يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وعن سعيد بن جبير (رضي الله عنه) قال أبو خالد الكابلي: أتيت علي بن الحسين (عليهما السلام) على أن أسأله: هل عندك سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فلما بصر بي قال: يا أبا خالد، أتريد أن أريك سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قلت: والله يا ابن رسول الله ما أتيت إلا لأسألك عن ذلك، ولقد أخبرتني بما في نفسي، قال: نعم، فدعا بحق كبير وسفط، فأخرج لي خاتم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم أخرج لي درعه وقال: هذا درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأخرج إلي سيفه، وأخرج عمامته، وأخرج رايته، وأخرج نعليه، وأخرج رداءه وقال: هذا كان يرتدي به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويخطب أصحابه فيه يوم الجمعة.
فهم (عليهم السلام) الورثة الحقيقيون للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وعندهم آثاره يتوارثونها، حتى استقرت لدى الحجة بن الحسن الإمام المنتظر المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

الروابط
الأشخاص: الأستاذ جعفر البياتي [المترجم]
مواقع الإنترنيت: شبكة جنة الحسين (عليه السلام)
مفاتيح البحث: الإمام السجاد (عليه السلام)
المواضيع: تاريخ أهل البيت

الفهرسة