الإمام الحسن (عليه السلام) يجني ثمار الصلح
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » الإمام الحسن (عليه السلام) يجني ثمار الصلح

 البحث  الرقم: 279  التاريخ: 1 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 6726
قائمة المحتويات

الإمام الحسن (عليه السلام) يجني ثمار الصلح

كان هدف الإمام الحسن (عليه السلام) من الصلح فضح معاوية، وهدم أسس سلطته القائمة على القيم الجاهلية، وتنظيم صفوف المعارضة من جديد، واستغلال كل فرصة لبث روح الإيمان والتقوى في ضمائر الناس. وفيما يلي نذكر بعضاً من مواقف الإمام مع سلطة معاوية التي كانت تهز عرشه، وتُلهم معارضيه أسلوب مقاومته: أ - بُعَيْدَ المصالحة صعد معاوية المنبر، وجمع الناس فخطبهم وقال: إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلاً، ولم يَر نفسه لها أهلاً، وكان الحسن (عليه السلام) أسفل منه بمرقاة.
الإمام الحسن (عليه السلام) يجني ثمار الصلح
وكان هدف الإمام الحسن (عليه السلام) من الصلح فضح معاوية، وهدم أسس سلطته القائمة على القيم الجاهلية، وتنظيم صفوف المعارضة من جديد، واستغلال كل فرصة لبث روح الإيمان والتقوى في ضمائر الناس. وفيما يلي نذكر بعضاً من مواقف الإمام مع سلطة معاوية التي كانت تهز عرشه، وتُلهم معارضيه أسلوب مقاومته: أ - بُعَيْدَ المصالحة صعد معاوية المنبر، وجمع الناس فخطبهم وقال: إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلاً، ولم يَر نفسه لها أهلاً، وكان الحسن (عليه السلام) أسفل منه بمرقاة.
فلمّا فرغ من كلامه قام الحسن (عليه السلام) فحمد اللـه تعالى بما هو أهله، ثمّ ذكر المباهلة، فقال: “ فجاء رسول اللـه (صلى الله عليه وآله) من الأنفس بأبي، ومن الأبناء بي وبأخي، ومن النساء بأمّي. وكنّا أهله ونحن آله، وهو منّا ونحن منه.
ولمّا نزلت آية التطهير جمعنا رسول اللـه (صلى الله عليه وآله) في كساء لأُمِّ سلمة رضي اللـه عنها خيبري ثم قال: اللـهمّ هؤلاء أهل بيتي وعترتي، فَأذهِبْ عنهم الرِّجسَ وطهّرهم تطهيراً. فلم يكن أحد في الكساء غيري وأخي وأبي وأُمّي ولم يكن أحد تصيبه جنابة في المسجد ويولد فيه إلاّ النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي تكرمة من اللـه لنا وتفضيلاً منه لنا، وقد رأيتم مكان منزلتنا من رسول اللـه (صلى الله عليه وآله).
وأمر بسدِّ الأبواب فسدَّها وترك بابنا، فقيل له في ذلك فقال: أَمَا إنّي لم أسدَّها وأفتح بابه، ولكنَّ اللـه عزَّ وجلَّ أمرني أن أسدَّها وأفتح بابه.
وإنَّ معاوية زعم لكم أنّي رأيته للخلافة أهلاً، ولم أرَ نفسي لها أهلاً فكذب معاوية، نحن أولى بالناس في كتاب اللـه عزَّ وجلَّ وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله)، ولم نزل أهل البيت مظلومين، منذ قبض اللـه نبيه (صلى الله عليه وآله)، فاللـه بيننا وبين من ظلمنا حقّنا، وتوثّب على رقابنا، وحمل الناس علينا، ومنعنا سهمنا من الفيء ومنع أُمَّنا ما جعل لها رسول اللـه (صلى الله عليه وآله).
وأُقسم باللـه لو أنَّ الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول اللـه (صلى الله عليه وآله) لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتهـــا، وما طمِعتَ فيها يا معاوية. فلمّا خرجتْ من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعتْ فيها الطُّلَقـاء، وأبناء الطُّلَقاء - أنت وأصحابك - وقد قال رسول اللـه (صلى الله عليه وآله): ما ولّت أُمّة أمرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتّى يرجعوا إلى ما تركوا، فقد تركت بنو إسرائيل هارون وهم يعلمون أنّه خليفة موسى فيهم واتّبعوا السامريَّ، وقد تركت هذه الأُمّة أبي وبايعوا غيره، وقد سمعوا رسول اللـه (صلى الله عليه وآله) يقول: “ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوَّة “، وقد رأَوا رسول اللـه (صلى الله عليه وآله) نصب أبي يوم غدير خم وأمرهم أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب.
وقد هرب رسول اللـه (صلى الله عليه وآله) من قومه، وهو يدعوهم إلى اللـه تعالى حتّى دخل الغار، ولو وجد أعواناً ما هرب، وقد كفَّ أبي يده حين ناشدهم، واستغاث فلم يُغَثْ فجعل اللـه هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، وجعل اللـه النبيَّ (صلى الله عليه وآله) في سعة حين دخل الغار ولم يجد أعواناً. وكذلك أبي وأنا في سعة من اللـه حين خذلتنا هذه الأمة، وبايعوك يا معاوية. وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضاً.
أيها الناس: إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب، أن تجدوا رجلاً ولده نبيّ غيري وأخي لم تجدوا، وإنّي قد بايعت هذا وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين “ [1].
ب - ومرة أخرى صعد معاوية المنبر ونال من أمير المؤمنين فتحداه الإمام الحسن (عليه السلام) بما فضحه أمام الملأ. تقول الرواية:
“ بعد أن تمت المصالحة سار معاوية حتّى دخل الكوفة فأقام بها أيّاماً فلمّا استتمّت البيعة له من أهلها صعد المنبر، فخطب الناس وذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) ونال منه، ونال من الحسن (عليه السلام) ما نال، وكان الحسن والحسين (عليه السلام) حاضرَين، فقام الحسين (عليه السلام) ليردَّ عليه، فأخذ بيده الحسن (عليه السلام) فأجلسه، ثمَّ قام فقال:
ايّها الذاكر عليّاً، أنا الحسن وأبي عليٌّ، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأُمي فاطمة وأُمّك هند، وجدّي رسول اللـه (صلى الله عليه وآله) وجدُّك حرب، وجدَّتي خديجة وجدَّتك قتيلة، فلعن اللـه أخملنا ذكراً وألأَمنا حَسَباً، وَشرنا قَدماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً. فقالت طوائف من أهل المسجد: آمين آمين “ [2].
ج - وفي الشام حيث رَكَّز معاوية سلطته خلال عشرات السنين. ولفقَ أكاذيب على الإسلام حتى كاد يخلق للناس ديناً جديداً. وقف الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) يعارض نظامه الفاسد، ويبيِّن أنه وخطه الأولى بالقيادة. يقصّ علينا التاريخ الحادثة التالية:
رُوي أنَّ عمرو بن العاص قال لمعاوية: إنَّ الحسن بن علي رجل عَيِيٌّ، وإنه إذا صعد المنبر ورمقوه بأبصارهم خجل وانقطع، لو أذنت له. فقال معاوية: يا أبا محمّد لو صعدت المنبر ووعظتنا!. فقام فحمد اللـه وأثنى عليه، ثمَّ قال:
“ مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ، وابن سيدّة النّساء فاطمة بنت رسول اللـه (صلى الله عليه وآله). أنا ابن رسول اللـه، أنا ابن نبيِّ اللـه، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن البشير النّذير، أنا ابن من بُعث رحمة للعالمين، أنا ابن من بُعث إلى الجنِّ والإنس، أنا ابن خير خلق اللـه بعد رسول اللـه، أنا ابن صاحب الفضائل، أنا ابن صاحب المعجزات والدّلائل، أنا ابن أمير المؤمنيـن، أنا المدفوع عن حقّي، أنا واحدُ سَيِّدَي شباب أهل الجنّة، أنا ابن الُّركن والمقام، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن المشعر وعرفات “.
فاغتاظ معاوية وقال: خذ في نعت الرُّطب ودعْ ذا، فقال: الرِّيح تنفخه والحرُّ ينضجه، وبرد اللّيل يطيّبه، ثمَّ عاد فقال:
“ أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن من قاتل معه الملائكة، أنا ابن من خضعت له قريش، أنا ابن إمام الخلق وابن محمّد رسول اللـه (صلى الله عليه وآله) “.
فخشي معاوية أن يفتتن به النّاس، فقال: يا أبا محمّد انزل فقد كفى ما جرى. فنزل فقال له معاوية: ظننتَ أن ستكون خليفة، وما أنت وذاك، فقال الحسن (عليه السلام):
“ إنّما الخليفة ممن سار بكتاب اللـه، وسنّة رسول اللـه، ليس الخليفة من سار بالجور وعطّل السنّة، واتّخذ الدُّنيا أباً وأُمّاً، ملك ملكاً مُتّع به قليلاً، ثمَّ تنقطع لذَّته، وتبقى تَبِعَتُه “.
وحضر المحفل رجل من بني أُمية وكان شاباً فأغلظ للحسن كلامه، وتجاوز الحدَّ في السبِّ والشتم له ولأبيه. فقال الحسن (عليه السلام): اللـهمَّ غيّر ما به من النّعمة واجعله أُنثى ليُعتبر به، فنظر الأمويُّ في نفسه وقد صار امرأة قد بدَّل اللـه له فرجه بفرج النّساء وسقطت لحيته، فقال الحسن (عليه السلام): أُعْزُبي! مالكِ ومحفل الرِّجال؟ فإنّكِ امرأة.
ثمَّ إنَّ الحسن (عليه السلام) سكت ساعة، ثمَّ نفض ثوبه ونهض ليخرج، فقال ابن العاص: اجلس فانّي أسألك مسائل. قال (عليه السلام): سل عمّا بدا لك، قال عمرو: أخبرني عن الكرم والنجدة والمروءة، فقال (عليه السلام):
“ أمّا الكرم فالتبرُّع بالمعروف والإعطاء قبل السؤال. وأما النجدة فالذَّبُّ عن المحارم، والصّبر في المواطن عند المكاره. وأما المروءة فحفظ الرجل دينه، وإحرازه نفسه من الدنس، وقيامه بأداء الحقوق وإفشاء السلام “.
فخرج (الإمام الحسن عليه السلام) فعذل معاوية عمراً. فقال: أفسدت أهل الشام. فقال عمرو: إليك عنّي. إن أهل الشام لم يحبوك محبة إيمان ودين. إنّما أحبوك للدنيا ينالونها منك، والسيف والمال بيدك، فما يغني عن الحسن كلامه.
ثم شاع أمر الشاب الأموي، وأتت زوجته إلى الحسن فجعلت تبكي. وتتضرع فرقَّ لها ودعا فجعله اللـه كما كان [3].
إلى المدينة:
وهكذا ظل الإمام في الكوفة شهوراً، ثم ارتحل عنها وارتحل معه كلّ الخير. ففي نفس الأيام التي خرج الإمام عنها، حلّ بها طاعون فمات الكثير من أهلها، حتى أن واليها (المغيرة بن شعبة) أُصيب به فمات.
فلما بلغ المدينة، خف أهلها يستقبلونه أحرّ الإستقبال. وظل هناك يقود حرباً باردة ضد معاوية ومؤامراته على المسلمين، حتى كانت السنة حيث وفد إلى الشام عاصمة الخلافة الإسلامية، فراح يبلّغ عن دعوته التي خُلق لها وخرج بها، وعاش معها، تلك دعوة الحق، ومحق الباطل. ولقد أظهر الإمام في تلك الرحلة الرسالية، لأهل الشام، أن معاوية ليس بالذي يصلح للقيادة، على ما موَّه عليهم بدعاياته المضللة، فهو يرجع بهم إلى الجاهلية حيث كان أبوه يستعبد الناس ويستنزف جهودَهم وطاقاتهم، ولا يهمه بعد ذلك أَسَعِدُوا أم شقوا.
وليس من العجب أن نرى كلّ من التفَّ حول معاوية ودافع عن أفكاره ونصب نفسه لدعوته، كان من قبل قد التف هو أو أسرته حول ابي سفيان ودافع عن أفكاره. فلا زال معاوية يقود الحزب الأموي الذي قاده من قبل والده أبو سفيان، بذات المفاهيم والعادات والسلوكيات. كما أنه لا يثير العجب إذا رأينا في صف الإمام الحسن (عليه السلام) ثلة صالحة ممن كان قبل أيام يناضل أبا سفيان وحزبه دفاعاً عن قيم الرسالة.
والواقع أن حركة معاوية كانت ردّ فعل جاهلي ضد انتشار رسالة الإسلام وكانت على صلة تامة بالروم.
وكان يعتمد معاوية على أشخاص مثل عمرو بن العاص، وزياد بن أبيه، وعتبة بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، ونظائرهم ممن لاتزال صورهم أو صور أسرهم تتراءى لنا، في ميادين بدر والخندق، كما كان يعتمد على النصارى الذين أصبحت لهم قوة لا يُستهان بها داخل الدولة الأموية. وإن معاوية كان يجتمع كلّ مساء بمن يقرأ عليه أخبار الحروب السابقة وخصوصاً تجارب الروم في الحروب السياسية فيستفيد منها.
من هنا نعرف أن الحرب بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أو نجله الإمام الحسن (عليه السلام) وبين معاوية، لم تكن صراعاً مجرداً على السلطة ولا صراعاً بين حزبين داخل الإطار الإسلامي، بل كان صراعاً بين الكفر المبطن والإسلام الحق. ولذلك اتبع الإمام الحسن (عليه السلام) نهجاً خاصاً في مواجهة الصراع، وهو نهج الدعوة الصريحة، حيث سافر إلى الشام، عاصمة الخلافة، كي يُقر حقّاً نذر له نفسه، ومن الطبيعي أن أهل الشام سوف يلتفتون إليه بعد أن كان رئيس الحركة المناوئة لدولتهم، وقائد الحرب المعارض لسياستهم. ولابد أن يفد منهم خلق كثير، فهنالك يستطيع أن يبلِّغ دعوته وينشر من علومه ما يدكّ صرح معاوية السياسي وينسف أحلامه الجاهلية.
وإن صفحات التاريخ تطالعنا بكثير من خطبه التي ألقاها على أهل الشام، فأثر في نفوسهم أبلغ تأثير، ولـــم يزل كذلك حتى اشتكــــاه أنصار معاوية قائلين له إن الحســــن قد أحيا أباه وَذِكْره، وقال فصُدِّق، وأمــــر
فأُطيع، وخفقت له النعال، وإن ذلك لرافعة إلى ما هو أعظم منه ولا يزال يبلغنا عنه ما يسوؤنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) المصدر: (ص 62 - 64).
([2]) المصدر: (ص 49).
([3]) المصدر: (ص 88 - 90).

الروابط
المقالات: إستراتيجية الصلح عند الإمام الحسن (عليه السلام)،
حرص الإمام الحسن (عليه السلام) على مصلحة الإسلام،
صلح الإمام الحسن (عليه السلام)،
صلح الإمام الحسن (عليه السلام) بنود اللاعنف والسلام،
الإمام الحسن عليه السلام المصلح الرسالي والدور المغيب،
استراتيجية الصلح عند الإمام الحسن (عليه السلام) *،
...
مواقع الإنترنيت: الموقع العالمي للدراسات الشيعية
مفاتيح البحث: بنو أمية،
المغيرة بن شعبة،
أم سلمة،
حديث الكساء،
المباهلة،
السيدة خديجة (رضوان الله تعالى عليها)،
...

الفهرسة