الخطبة ١٩٣: يصف فيها المتقين
Path Home » Nahj al-Balagha » الخطب » الخطبة ١٩٣: يصف فيها المتقين

 Search  No.: 194  Visits: 1407
Table Of Content ومن خطبة له عليه السلام يصف فيها المتقين
روي أنّ صاحباً لأمير المؤمنين عليه السلام يقال له همّامٌ كان رجلاً عابداً، فقال له: يا أميرالمؤمنين، صف لي المتقين كأني أنظر إليهم. فتثاقل عليه السلام عن جوابه، ثم قال: يا همّامُ، اتقِ اللهَ وأحْسِنْ فَـ ﴿إنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾
فلم يقنع همّامٌ بِذَلِكَ القول حتّى عزم عليه. فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله، ثم قال عليه السلام:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـ خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ، لِأَنَّةُ لاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ، وَلاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ، فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ، وَوَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ.
فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ: مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الْإِقْتِصَادُ يلبسون
الثياب بين بين، لا هي بالثمينة جداً ولا الرخيصة جداً.">(1)، وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ.
غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ (2) عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ.
نَزَلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلاَءِ كَالَّتِي نَزَلَتْ فِي الرَّخَاءِ خوف
الله وحذر النقمة، كأنهم في بلاء لا يبطرون ولا يتجبّرون.">(3).
لَوْلاَ الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ.
عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ.
قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ، وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ.
صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً، تِجَارَةٌ مَرْبِحَةٌ (4)، يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُم.
أَرَادَتْهُمُ الْدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا، وَأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أُنْفُسَهُمْ مِنْهَا.
أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً (5)، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ القرآن يستثير به الفكر الماحي للجهل.">(6) بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ (7) جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا البكاء.">(8) فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ، فَهُمْ حَانُونَ الصلاة.">(9) عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ

Footnotes

1- ملبسهمُ الاقتصاد» ُ: يلبسون الثياب بين بين، لا هي بالثمينة جداً ولا الرخيصة جداً.
2- «غَضّوا أبصارهم»: خفضوها وغمضوها.
3- «نزّلت أنفسهم منهم بالبَلاء»: أي أنهم إذا كانوا في بلاء كانوا بالأمل في الله، كأنهم كانوا في رخاء لا يجزعون ولا يَهِنون، وإذا كانوا في رخاء كانوا من خوف الله وحذر النقمة، كأنهم في بلاء لا يبطرون ولا يتجبّرون.
4- أرْبحت التجارة: أفادت ربحاً.
5- الترتيل: التبيين والإيضاح.
6- استثار الساكنَ: هيّجه، وقارىء القرآن يستثير به الفكر الماحي للجهل.
7- زَفِير النار: صوت توقّدها.
8- شهِيق النار: الشديد من زفيرها كأنه تردد البكاء.
9- «حانُون على أوساطهم» من «حَنَيْتَ العودَ»: عَطَفْتَه، يصف هيئة ركوعهم وانحنائهم في الصلاة.



الله (1)، الإحسان، الحسن، الحسنة، التحسن (1)، الوقاية (1)، اللبس (2)، الخوف (3)، القرآن الكريم (2)، الجهل (1)، البكاء (1)، الصّلاة (1)، البلاء (1)، الغنى (1)، التجارة (1)، الوقوف (1)، الصبر (1)، العقاب (1)، الصلاة على النبي (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الظنّ (1)