البحث الرقم: 81 التاريخ: 17 رمضان المبارك 1430 هـ المشاهدات: 5973
منذ أن بزغ نور الإسلام على الناس وبزغ نور المصطفى (صلى الله عليه وآله)، كان الإمام علي (عليه السلام) قرين الحق، فسما وحُسد، وبدا الباطل يفكر بقتله، واخذ يتحين الفرصة لاغتياله، لان علياً هو الحق ومع الحق والحق معه. وقد روي عنه (عليه السلام) قوله: لمّا انزل الله سبحانه (الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) [العنكبوت: 1ـ2]، علمتُ أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أظهرنا، فقلتُ: يا رسول الله، ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها؟ فقال: يا علي، إن أمتي سيُفتنون من بعدي، فقلت: يا رسول الله، أوليس قلت لي يوم احد: أبشر، فان الشهادة من وراءك؟ فقال لي: إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن؟ فقلت: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن مواطن البشرى والشكر. وفي تحفة المحبين يروي محمد بن رستم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال للإمام علي (عليه السلام): إن الأمة ستغدر بك من بعدي، وأنت تعيش على ملتي تُقتل على سنتي، وان هذا سيخضب من هذا، أي وجهه من رأسه. وأمام حشود المسلمين يخطب (صلى الله عليه وآله) مستقبلاً شهر رمضان وذاكراً فضائله، فيقول: أيها الناس، انه قد اقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة... ، وبعد كلمات يتفجر بالبكاء، فيقول له الإمام علي (عليه السلام): يا رسول الله، ما يبكيك؟! فيجبه ووجهه يتلألأ بالدموع، وصوته الحزين يصل إلى مسامع المسلمين: يا علي، ابكي لما يُستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تريد أن تصلي وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين، يضربك ضربة على راسك فيخضب بها لحيتك، فقال (عليه السلام): يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟ فأجابه: في سلامة من دينك. ويلتحق المصطفى (صلى الله عليه وآله)، فيشيب عليه وعلى ابنته الصديقة أميرُ المؤمنين (عليه السلام)، فلا يختضب بالحناء، يكره ذلك لأمرين: الأول: عظم الفاجعة بفقد الحبيب المصطفى والبتول الزهراء (عليهما السلام)، فلا بد أن تبقى آثارهما في الرأس والوجه، والثاني: انه (عليه السلام) كان ينتظر خضاب الشهادة، ويقول: ما يمنع أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا؟ ـ أي لحيته من دم رأسه ـ، والله ليخضبن هذه من دم هذا خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير. اجل.. فهو موعود، وقد سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفديه ويقول فيه: بأبي الوحيد الشهيد، فلما اخبر قومه بما سيجري عليه توقف البعض، فقال سعيد بن المسيب، لقد ادعى علي علم الغيب، فلما قتل علمت انه كان عهد عليه. يخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ وهو العارف وعنده علم المنايا والبلايا ـ إلى الشهادة برجله مسلّما إلى قضاء ربه، فإذا نزلت الإوز خلفه ورفرفت وصحْنَ أمامه قال: لا إله إلا الله! صوائح تتبعها نوائح، فإذا تعلق الباب بمئزره فحلّه أخذه وشدّه وقال يتحدث إلى نفسه: أُشدد حيازمك للموت ـ فان الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت ـ إذا حل بناديكا فإذا تقدم للشهادة قال: اللهم بارك لنا في الموت، اللهم بارك لي في لقائك، فإذا هبط السيف ساجداً على رأسه، ورأسه ساجداً لربه، صاح: فزتُ ورب الكعبة، وهتف جبرائيل (عليه السلام) بين الأرض والسماء: تهدّمت والله أركان الهدى.